أدلة الحجاب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد كثر الخوض في قضية الحجاب هذه الأيام بطريقة استفزازية وبجهل كبير، فأردت في هذه الورقات ذكر أدلة الحجاب من الكتاب والسنة، إذ بها الكفاية والغنية لمريد الحق والمنصف.
ولن أتحدث عن مفاسد التبرج وترك الحجاب من ضعف الحياء وانتشار الفتن وفتنة الرجال
أولا - القرآن الكريم :
-1 قال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . (النور:31)
أهم الأحكام التي يمكن أن نستنبطها من هذه الآية:
أ- أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن ، و الأمر بحفظ الفرج أمر بما يكون وسيلة إليه , و لا يشك عاقل أن من وسائل الوقاية من الزنا الحجاب ؛ لأن كشفه سبب النظر إليها ، و تأمل محاسنها، و بالتالي الوصول إلى الاتصال المحرم .
و عليه فإذا كان الحجاب من وسائل الوقاية لحفظ الفرج كان مأمورا به ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
ب-قوله تعالى (وليضربن بخمرهن على جيبوبهن) : وتفسيره كما جاء في البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ) رواه البخاري ( 4480 ) .
ج- رخص بإبداء الزينة الباطنة للرجال الذين لا شهوة لهم و الطفل الصغير الذي لم يبلغ الحلم ، و لم يطلع على عورات النساء .
و عليه:فإن إبداء الزينة الباطنة لا يحل لأحد من الأجانب إلا لهذين الصنفين ، و أن علة الحكم و مداره الخوف على المرأة من الفتنة ، فيكون الحجاب واجبا لئلا يفتن أولوا الإربة من الرجال.
هـ- و قوله تعالى ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) معناه لا تضرب المرأة برجلها ليعلم ما تخفيه من الخلاخيل و نحوها من الزينة ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفا من افتتان الرجال بما يسمع من صوت خلخالها ، و نحوه فكيف بنزع الحجاب .
-2 قوله تعالى ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60)
-2 إن الله تعالى نفى في هذه الآية الأثم عن القواعد ، و هن كبيرات السن اللاتي لا يرجون زواجا لعدم رغبة الرجال بهن ، بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج و الزينة . و تخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشابات اللاتي يرجون النكاح يخالفن في الحكم ، و لو كان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب ، و لبس درع و نحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى (غير متبرجات بزينة ) دليل أخر على وجوب الحجاب للشابة التي تأمل بالزواج ، لأن الغالب عليها إذا تركت الحجاب، أنها تريد التبرج بالزينة ، و إظهار جمالها ، و تطلع الرجال لها ، و مدحها و نحو ذلك.
-3 قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)
والأمر بالجلباب وهو ما يشبه العباية الآن، أمر زائد على الحجاب ، وهو ستر الجسم بما لا يصفه.
-4 قوله سبحانه وتعالى : )لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (الأحزاب:55)
قال ابن كثير عليه رحمة الله : (( لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم). إذن غير هؤلاء الأقارب فتحتجب منهم.
-5 قال تعالى }وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذلكمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ{، إذا كانت أمهات المؤمنين زوجات النبي , واللاتي يحرم الزواج بهن ولا مطمع لأحد بهن، لا يجوز لهن الحديث مع الرجال إلا من وراء حجاب، فكيف بغيرهن من النساء.
ثانيا - السنة النبوية الشريفة :
-1 عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي : إذا خطب أحدكم امرأة فاستطاع أن ينظر إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها , فليفعل , فخطبت امرأة من بني سليم ، فكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها [13] ) .
وجه دلالة هذا الحديث أن النبي نفى الجناح ، و هو الإثم عن الخاطب خاصة ، بشرط أن يكون نظره بسبب الخطبة فقط . أما غير الخاطب ، فيعتبر آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال , و كذلك الخاطب إذا نظر إلى غير الخطبة كأن يكون غرضه التلذذ ، و التمتع و نحو ذلك .
-2 عن أم عطية قالت : أمرنا النبي أن نخرجهن في الفطر و الأضحى العواتق ، و الحيض و ذوات الخدور ، فأما الحيض ، فيعتزلن الصلاة و يشهدن الخير ، و دعوة المسلمين ، قلت : يا رسول الله أحدنا لا يكون لها جلباب ، قال : لتلبسها أختها من جلبابها .[12]
و من دلالة هذا الحديث الشريف أن المعتاد عند نساء الصحابة ، أن المرأة لا تخرج إلا بجلباب ، وعند عدمه لا يمكنها أن تخرج من بيتها . و أمر رسول الله بلبس الجلباب كان دليل على الوجوب ، و أنه لابد من التستر .
-3 عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله e يصلي الفجر ، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس [15].
وجه دلالة هذا الحديث أن الحجاب و التستر كان هو الطابع العام لنساء الصحابة الذين هم خير القرون ، و أكرمهم عند الله عز وجل ،و في هذا الحديث الدلالة ، و البيان لصفة الحجاب و شروطه .
-4 عن ابن عمر قال : قال رسول الله e: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة , فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن , قال : يرخين شبرا , فقالت : إذا تنكشف أقدامهن , قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه [16] ).
و دلالة هذا الحديث على وجوب ستر قدم المرأة ، و أنه أمر معلوم عند نساء الصحابة , و القدم أقل فتنة من الوجه ، و الكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه ، و على ما هو أولى منه بالحكم ، و حكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما أقل فتنة ، و يرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فان هذا من التناقض المستحيل بحق الله ، و شرعه [17].
5- في الصحيحين قالت عائشة - رضي الله عنها- في حادثةِ الإفك لمّا رأت صفوان : (( فخمّرتُ وجهي ، وكان يعرفني قبل نزول الحجاب )).
هذه عشرة أدلة من الكتاب والسنة على حكم الحجاب ، وهو مما أجمع العلماء عليه ولم يختلف أحد فيه.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويستر نساءنا ونساء المسلمين.